بعد قضاء ساعات بصحبته، من الصعب ألا تخرج بإنطباع أن مهدي أبو غزالة شخص ميت يسير على الأرض! 34 عاماً هي عمر كبير نسبياً لرجل مطارد ومطلوب للجيش الإسرائيلي، حيث يعتبر مهدي أبو غزالة القائد العام لمجموعة فارس الليل، التي رفضت تسليم أسلحتها لسلطات رام الله، وبقيت تعمل في مدينة نابلس وتتخذ من حي الياسمينة والقصبة ملجأً لها. خلال لقاء مراسل هآرتس معه لم يبد ابو غزالة عصبياً أو متوتراً، وكان يحمل بندقية رشاشة أمريكية الصنع من نوع M16 مزودة بتلسكوب ومخزنين للذخيرة. جهاز "الميرتس" يزوده بتقارير عما يدور في نابلس وحولها أولاً بأول، فيما لم يتوقف جهاز الهاتف الخلوي عن الرنين. بجانب نافذة الغرفة وقف أحد الحراس الشخصيين لمهدي، فيما وقف حارس آخر على باب الغرفة. مسلحان آخران قاما بحراسة المدخلين المؤديين للشارع الذي تواجد فيه المنزل الذي تم فيه اللقاء وكانت مهمتهما إخبار مهدي عن أي تحرك للقوات الإسرائيلية.
وقد أصبح أبو غزالة القائد العام لفارس الليل وهي أحد الأجنحة العسكرية لكتائب شهداء الأقصى قبل فترة قصيرة لا تتجاوز الأسبوعين وذلك بعد مقتل قائدها الأسبق باسم أبو سرية الملقب بالقذافي والذي استشهد في اشتباك مع قوات إسرائيلية خاصة فيما أصيب معه عبد الرحمن الشناوي بإصابات بالغة الخطورة. منذ ذلك الحين 8 أعضاء في فارس الليل لقوا حتفهم على يد القوات الإسرائيلية الخاصة وجهاز المخابرات الشين بيت والذي لا تمر ليلة بدون مداهمته لمدينة نابلس.
يدرك مهدي أبو غزالة جيداً أنه قد يكون التالي بعد القذافي، حيث يقول: "عندما يحل الليل، لا أدري إن كنت سأرى الصباح مرة أخرى أم لا. لكن حين يستشهد واحد منا فإن ذلك شرف لنا جميعاً".
وقد رد عليه مراسل هآرتس قائلاً: "دعك من الشعارات جانباً!، ألا تشعر بالخوف؟" رد أبو غزالة قائلاً: "لا يوجد أحد لا يخشى الموت! يجب عليك أن تفهم أننا نرى الموت كل ليلة، وكمسلم مؤمن بقدره أشعر بأنني حينما أكون حياً، فأنا حي، وإذا كتب على الموت فسأموت. قد تنتهي قصتي الليلة. دعنا ننتظر ونرى ماذا سيحدث".خلال الأسبوع القادم ستقوم سلطات رام الله بنشر 500 شرطي داخل مدينة نابلس وأحياء بلدتها القديمة حبث قام وزير الداخلية في حكومة رام الله عبد الرزاق اليحيى بإصدار أوامره لهم بالانتشار هناك.
أغلب المطكاردين في مدينة نابلس حصلوا على عفو عام من الجيش الإسرائيلي وذلك من خلال إتفاق مع سلطة رام الله، إلا أن مطاردي مجموعة فارس الليل لم تشملهم قائمة المعفو عنهم من قبل الصهاينة.
"لقد أخبرونا أن "إسرائيل" ترغب في أن تسجننا سلطة في رام الله في مقراتها، وأن نقوم بتسليم أسلحتنا" قال أبو غزالة. "لكن لم يعد أحد بأن إسرائيل لن تقوم بقتلنا أثناء وجودنا في مقرات السلطة. وعند سؤال أبي غزالة "لماذا لم تشملكم قائمة العفو الإسرائيلي؟" رد أبو غزالة قائلاً: "إن الرجل المشؤول عن التفاوض مع الإسرائيليين بخصوص المطلوبين، وهو وزير الداخلية لم يكن يفاوضهم بصورة جيدة، لذلك فإن السلطة هي المسؤولة عن مستقبلنا. نحن لم نقم في يوم من الأيام بمهاجمة المدنيين الإسرائيليين ولم نرسل إستشهاديين لتنفيذ تفجيرات. الجيش يريد النيل منا بسبب عملياتنا ضد قواته التي تدخل المدينة. واجبنا وحقنا أن نقاوم الجنود الإسرائيليين الذين يأتون إلى مدينة نابلس وسوف نستمر في مقاومتنا لهم.
بعد فترة من لقائنا بأبي غزالة دخل المنزل مجموعة أخرى من المسلحين. كان منهم علاء حموضة -22 عاما- والمطلوب منذ خمس سنوات؛ عمر عكوب مطلوب منذ اربعة سنوات؛ "أبو ودية" لقب لأحد المطلوبين الآخرين من منطقة مخيم العين في نابلس، والذي يعتبر قائد الجبهة الشعبية وتتهمه "إسرائيل" مع قائد في حماس بمحاولة إرسال استشهادي ليفجر نفسه في "تل أبيب" قبل شهر تقريباً. أسفل المنزل بدأ مهدي عكوب نوبته في الحراسة، ولم يضع أياً من المطلوبين قناعاً على وجهه.
وقد وضح أبو غزالة قائلاً: "في ما مضى كان هناك زمن لم تدخل قوات الجيش الإسرائيلي لداخل المدينة؛ وكنا نتجول في المدينة ونحن مقنعين لكي لا يعرفنا الإحتلال وعملاؤه. وأضاف قائلاً: "الآن، أصبحنا لا نهتم للأمر، فالجميع يعرفوننا ويعلمون أشكالنا جيداً كما يعلمها جهاز المخابرات الإسرائيلي الشين بيت.
في المساء، بدأ المطاردون في الإستعداد لليل، حيث تكمن الخطورة بالنسبة لهم. "تصلنا تقارير حيال أي سيارة مشبوهة تعبر نقاط التفتيش وتدخل المدينة. نحن حذرون جداً، وخصوصاً فيما يتعلق بالوحدات الخاصة. وفي حال شخصنا سيارة مجهولة تقترب منا نقوم بإطلاق النار على أي شخص يخرج منها.
ويضيف أبو غزالة: "في إحدى العمليات الحديثة له، قام الجيش الإسرائيلي ببث شريط صوتي عبر اختراق إحدى الإذاعات المحلية وتوجه بالنداء للسكان المحليين ليقوموا بالتخلي عن دعم مجموعة فارس الليل. وقام أبو غزالة بضغط أحد أزرار جهازه الخليوي ليسمعنا التسجيل: لا تتعاونوا معهم. احموا مدينتكم. إن كان ليدكم معلومات عن هؤلاء الناس اتصلوا على رقم: 0523271190 أبلغونا عن نشاط أمين لبادة "استشهد قبل فترة"، مهدي أبو غزالة، عبد الرحمن الشناوي "أصيب بجراح خطيرة" وأضافالصوت العربي سنضمن لكم السرية التامة.
عمر عكوب صرّح بدوره بأن أقسى شيء على مطاردي فارس الليل هو عدم مقدرتهم على اللقاء بأفراد عائلاتهم! "جميع عائلاتنا تعيش في حي القصبة، لكننا لا نستطيع زيارتهم خوفاً من وجود الجيش الإسرائيلي والوحدات الخاصة بانتظارنا هناك". وأضاف انه لم ير والدته منذ اكثر من أربعة شهور.
وقبل حلول الظلام، غادر أفراد المجموعة المنزل واصطفوا أسفل بوستر ضخم لقائدهم الشهيد القذافي. بعد لقائهم بمراسل هآرتس بفترة قصيرة، توجب عليهم عمل بوستر جديد: فقد أخبرتهم مصادر طبية في مستشفى المدينة أن عبد الرحمن الشناوي قد استشهد! صورته سوف تلصق بجانب الكثير من الشهداء على جدران مدينة نابلس.
