أضواء على كتاب الشعر السياسي عند نزار قباني ومستوياته
في كتابه « الشعر السياسي عند نزار قباني ومستوياته الفنية » الصادر عن دار الارشاد للنشر قسم
المؤلف عبد الهادي عبد العليم صافي كتابه إلى محورين أساسين :
1 - الشعر السياسي :
وهو الشعر الذي يهتم بقضايا الناس وتطلعاتهم ، ويصور الأحداث الوطنية
والقومية الكبرى ويعيش الهموم الانسانية ويواكب الأحداث السياسية الكبرى
التي هزت العالم العربي ، ويصور الواقع العربي الممزق .
المستويات الفنية :
وهي الأسس الجمالية التي بني عليها شعر نزار قباني السياسي ، والمقومات
التي اعتمد عليها في بنائه الشعري ، والأدوات الفنية التي استعان بها
لتحقيق الجمال الفني لشعره .
وأثناء
معالجته للموضوع تناول المؤلف النصوص السياسية لشعر نزار بالدرس والتحليل
وعالج المضامين السياسية من حيث جديتها وعمقها وتأثيرها وأهميتها ضمن إطار
العصر والبيئة التي وجدت فيها إضافة إلى المؤثرات الخارجية التي تصبغ
الشعر بهذا اللون أو ذاك ، لهذا تحدث عن نشأته وحياته وعمله الدبلوماسي
وأثر هذا العمل على شعره ، والذي فتح أمامه أبواب الحياة على مصراعيها .
وعندما
درس المستويات الفنية في شعر نزار السياسي درس معجمه اللغوي ومستواه
الصرفي والبلاغي ، ومستواه الموسيقي وأقام موازنة بين شعره العمودي وشعر
التفعيلة ليصل إلى نتيجة هامة مفادها في أي الاتجاهين كان أو فى من الوجهة
الفنية ، وأيهما يثير في نفس المتلقي مشاعر الجمال والاحساس بروعة الشعر .
يقول المؤلف :
« وأهدف من دراستي أن أضع نزاراً في مكانه الصحيح في تاريخ الأدب المعاصر من دون غلو أو شطط ، ومن دون ميل إلى هوى أو عاطفة .
وأريد أن أثبت أن نزاراً لم يتخل عن بلاده ، ولم يتخل عن أمته وهو في أوسع الاشتهار بشعر المرأة »
ففي
شعره الوطني نراه يتغنى بحب الوطن ، ويبثه مشاعر الشوق مصوراً جمال طبيعة
بلاده ، ووطنه الذي تتمدد سهولة وجباله في صوره وتعابيره كما في قوله :
أنا لبلادي لنجماتها
لغيماتها للشذا للندى
سفحت قواريري نهوراً
على وطني الأخضر المفتدى
وحين
يغترب عن وطنه يشعر بشوق عاصف وحنين جارف إلى كل ذرة تراب فيه وتشده
الذكريات فيتجول في غرناطة ويرى في عيون الاسبانيات الواسعة مآذن دمشق
ويرى في لون سمرتهن شموس بلاده فيذكر منزله في دمشق ، وظلاله ،
وبركته الصافية وأشجار الليمون الغالية :
وباباً قديماً نقشت عليه
بخط رديء حكاياته
بعينيك يا دونيا ماريه
أرى وطني مرة ثانية
وتشغله
القضايا القومية ومنها قضية فلسطين فيصور قصة الكفاح الفلسطيني ومأساة عرب
فلسطين منذ بداية الاحتلال الاسرائيلي لأرضه عام 1948 مصوراً بداية
المأساة :
وجاء أغراب مع الغياب
من شرق أوربا
ومن غياهب السجون
فأتلفوا الثمار
وكسروا الغصون
وأشعلوا النيران في بيادر النجوم
ويحيي العمل الفدائي ويراه الطريق الوحيد لاسترداد الكرامة
العربية المسلوبة :
أنا الفلسطيني
بعد رحلة الضياع والسراب
أطلع كالعشب من الخراب
أضيء كالبرق على وجوهكم
أهطل كالسحاب
أطلع كل ليلة
وتحدث
عن حرب السويس ، وعن ثورة الجزائر ، وأكثر ما أدمى قلبه ، ومزق نفسه نكسة
حزيران عام 7691 التي هزت الوجدان العربي وخلّفت آلاماً عظيمة لذلك فإن
قصيدته السياسية في
« هوامش على دفتر النكسة »
عبرت عن مرارة الحياة وعدم جدواها:
مالحة في فمنا القصائد
مالحة ضفائر النساء
والليل والأشعار والمقاعد
مالحة أمامنا الأشياء
لذلك
فقد بيَّن أسباب النكسة وعرى الواقع الاجتماعي المتردي وتحدث عن الانفصال
الذي اعتبره سبباً من أسباب النكسة ووضع الحلول المقترحة في قصيدته ..
وكان الأطفال أمله وأمل الأمة :
يا أيها الأطفال من المحيط للخليج ، أنتم سنابل الآمال
وأنتم الجيل الذي سيكسر الأغلال
ويقتل الأفيون في رؤوسنا
ويقتل الخيال
وتأتي حرب تشرين التحريرية عام 1973 لتبدل مشاعر الخيبة لديه وتجعله منتشياً بالنصر ...
الذي قضى على الهزيمة :
جاء تشرين يا حبيبة عمري
أحسن الوقت للهوى تشرين
ولنا موعد على جبل الشيخ
كم الثلج دافىء وحنون
لقد كان تشرين نقطة تحول كبرى في تاريخ العرب وهذا ما رصده نزار قباني في شعره :
لقد ترك العرب عصور
الانحطاط وبدأ واحياه حافلة بالعزة والكبرياء :
تركت عصور انحطاطي ورائي
تركت عصور الجفاف
وجئت على فرس الريح والكبرياء
لكي أشتري لك ثوب الزفاف
وقد مزج ما بين المرأة ودمشق حيث الرموز والايحاءات العديدة :
ألاحظت أنك صرت دمشق
بكل بيارقها الأموية
ومصر بكل مساجدها الفاطمية
وعندما قامت حرب بيروت حزن كثيراً.... لأن الروح الجاهلية هي التي مزقت أنوثة بيروت وهي التي أحرقتها بنيران الحقد ...
لذلك طلب منها أن تنهض من محنتها:
قومي من تحت الردم كزهرة لوز في نيسان
قومي من حزنك
إن الثورة تولد من رحم الأحزان
إنا أخطأنا يا بيروت
وجئنا نلتمس الغفران
وعندما تحدى أطفال الحجارة في فلسطين جبروت الآلة
العسكرية انطلقت حنجرته تردد :
بهروا الدنيا
وما في يدهم إلا الحجارة
وأضاؤوا كالقناديل وجاؤوا كالبشارة
قاوموا وانفجروا واستشهدوا
وبقينا دبباً قطبية
صفحت أجسادها ضد الحرارة
أما
في قسم المستويات الفنية لشعر نزار قباني فقد درس المؤلف المستوى المعجمي
، والمستوى الصرفي ، والمستوى التركيبي ، والمستوى البلاغي ، والمستوى
الموسيقي والرمز
ولخص السمات الفنية الرئيسية للشاعر بما يلي :
1- السهول والوضوح في طرح الأفكار والآراء السياسية
2- استخدام الألفاظ والمفردات الجميلة .
3- استخدام التصوير في شعره.
4- الاعتماد على الأسلوب القصصي في بعض القصائد
مثل : ( راشيل ) و( جميلة بوحيرد )
5- المتح من التراث والمكنوز الثقافي.
6- تجري أنساقه وتراكيبه اللغوية على النسق العربي دون خروج على القواعد العربية .
7- التزام القافية الواحدة والوزن عندما يلقي قصائده في احتفالات رسمية
مثل : ( اعتذار إلى أبي تمام ) و« ترصيع بالذهب على سيف دمشقي »
8- استخدامه للرموز كان واضحاً
كما أنه لم يستخدم إلا الأساطير التي لها علاقة بثقافة الشعوب ، وتتعلق بالتراث الجمعي
كالزير سالم وعنترة وشهرزاد.
أخيراً
نقول
إن الكتاب قدم إضاءة متميزة على شعر نزار السياسي ومستوياته الفنية وهناك
الكثير من الموضوعات الأخرى في شعر هذا الشاعر الكبير تنتظر من يتابعها
بالدرس والتحليل مستقصياً جميع جوانبها .